فصل: وفاة الحكم المستنصر وبيعة ابنه هشام المؤيد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة الحكم المستنصر وبيعة ابنه هشام المؤيد.

ثم أصابت الحكم العلة فلزم الفراش إلى أن هلك سنة ست وستين وثلثمائة لست عشرة سنة من خلافته وولي من بعده ابنه هشام صغيرا مناهز الحلم وكان الحكم قد استوزر له محمد بن أبي عامر نقله من خطة القضاء إلى وزارته وفوض إليه في أموره فاستقل وحسنت حاله عند الحكم فما توفي الحكم بويع هشام ولقب المؤيد بعد أن قتل ليلتئذ أخو الحكم المرشح لأمره تناول الفتك به محمد بن أبي عامر هذا بممالأة جعفر بن عثمان المصحفي حاجب أبيه وغالب مولى الحكم صاحب مدينة سالم ومن خصيان القصر ورؤسائهم فائق وجودر فقتل محمد بن أبي عامر المغيرة وبايع لهشام.

.أخبار المنصور بن أبي عامر.

ثم سما محمد بن أبي عامر المتغلب على هشام لمكانه في السن وثاب له رأي في الاستبداد فمكر بأهل الدولة وضرب بين رجالها وقتل بعضها ببعض وكان من رجال اليمنية من مغافر واسمه محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن عبدالله بن عامر بن محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المغافري دخل جده عبد الملك مع طارق وكان عظيما في قومه وكان له في الفتح أثر فاستوزره الحكم لابنه هشام كما ذكرناه فلما مات الحكم حجبه محمد وغلب عليه ومنع الوزراء من الوصول إليه إلا في النادر من الأيام يسلمون وينصرفون وأرخص للجند في العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين ثم تجرد لرؤساء الدولة ممن عانده وزاحمه فمال عليهم وحطهم عن مراتبهم وقتل بعضها ببعض كل ذلك عن أمر هشام وخطه وتوقيعه حتى استأصل بهم وفرق جموعهم وأول ما بدأ بالصقالبة الخصيان الخدام بالقصر فحمل الحاجب المصحفي على نكبتهم فنكبهم وأخرجهم من القصر وكانوا ثمانمائة أو يزيدون ثم أصهر إلى غالب مولى الحكم وبالغ في خدمته والتنصح له واستعان به على المصحفي فنكبه ومحا أثره من الدولة ثم استعان على غالب بجعفر بن على بن حمدون صاحب المسيلة الفازع إلى الحكم أول الدولة بمن كان معه من زناتة والبربر ثم قتل جعفر عماله ابن عبد الودود وابن جوهر وابن ذي النون وأمثالهم من أولياء الدولة من العرب وغيرهم ثم لما خلا الجو من أولياء الخلافة والمرشحين للرياسة رجع إلى الجند فاستدعى أهل العدوة من رجال زناتة والبرابرة فرتب منهم جندا واصطنع أولياء وعرف عرفاء من صنهاجة ومغراوة وبني يفرن وبني برزال ومكناسة وغيرهم فتغلب على هشام وحجره واستولى على الدولة وملأ الدنيا وهو في جوف بيته مع تعظيم الخلافة والخضوع لها ورد الأمور إليها وترديد الغزو والجهاد وقدم رجال البرابرة زناتة وأخر رجال العرب وأسقطهم عن مراتبهم فتم له ما أراد من الاستقلال بالملك والاستبداد بالأمر وابتنى لنفسه مدينة فنزلها وسماها الزاهرة ونقل إليها خزائن الأموال والأسلحة وقعد على سرير الملك وأمر أن يحيا بتحية الملوك وتسمى بالحاجب المنصور ونفذت الكتب والأوامر والمخاطبات باسمه وأمر بالدعاء له على المنابر وكتب اسمه في السكة والطرز وعمر ديوانه بما سوى ذلك وجند البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد والعلوج للاستيلاء على تلك الرغبة وقهر من يطاول إليها من الغلبة فظفر من ذلك بما أراد وردد الغزو بنفسه إلى دار الحرب فغزا اثنتين وخمسين غزوة في سائر أيام ملكه لم ينكسر له فيها راية ولا فل له جيش ولا أصيب له بعث ولا هلكت سرية وأجاز عساكره إلى العدوة وضرب بين ملوك البرابرة بعضهم في بعض فاستوثق ملكه بالمغرب وأذعنت له ملوك زناتة وانقادوا لحكمه وأطاعوا لسلطانه وأجاز ابنه عبد الملك إلى ملوك مغراوة بفاس من الخزر لما سخط زيري بن عطية ملكهم لما بلغه من إعلانه بالنيل منه والغض من ملكهم والتأنف لحجر الخليفة هشام فأوقع به عبد الملك سنة ست وثمانين ونزل بفاس وملكها وعقد لملوك زناتة على المغرب وأعماله من سجلماسة وغيرها على ما نشير إليه بعد وشرد زيري بن عطية إلى تاهرت وأبعد المفر وهلك في مفره ثم قفل عبد الملك إلى قرطبة واستعمل واضحا على المغرب وهلك المنصور أعظم ما كان ملكا وأشد استيلاء سنة أربع وسبعبن وثلثمائة بمدينة سالم منصرفه من بعض غزواته ودفن هنالك وذلك لسبع وعشرين سنة من ملكه.